رغم الحكومات المتعاقبة في ليبيا منذ عقود والوعود بالإعمار وبتوفير بنية تحتية تليق بالحياة الكريمة، تُظهر لنا تقلبات الطبيعة الوجه الحقيقي لحياة المواطن، حيث أنه في الايام الثلاثة الماضية شهدت المنطقة الجنوبية ذات المناخ الجاف عادة هطول امطار غزيرة بكميات لم يسبق لها مثيل منذ ما يقرب من ال20 سنة.
الاطفال كانوا فرحين بهطول الامطار في سبها التي بلغ منسوب المياه فيها درجة تسمح لهم بالسباحة في وسط الطريق العام. ولكن في منطقة المنشية مثلا والتي تعتبر في قلب المدينة تضرر ما يقارب من 150 منزلا بين احياء ال-85 والطيوري ونزوح قاطنيها من منازلهم. هذا وقد تعالت النداءات من اجل توفير مأوى للعائلات سواء من منازل او استراحات، والمستغرب ان السلطات في المدينة لم تتخذ الاجراءات الاولية اللازمة لانقاد المتضررين مثل انشاء المخيمات لهم او فتح المدارس للعائلات.
هذا واكدت جهات رسمية وفاه شخصين على الأقل جراء هذه الأمطار الغزيرة وتعرض بعض المرافق الرئيسية لضرر بالغ اوقفها عن العمل مثل مستشفى سبها الطبي، والذي يعتبر المركز الصحي الرئيسي ليس لمدينة سبها فقط وانما للمنطقة الجنوبية بالكامل، ومطار سبها الدولي الذي توقف عن العمل جراء دخول المياه إليه، والذي تمت صيانته قبل فترة وجيزة وتجهيزه على اعلى المستويات.
توجد الكثير من التساؤلات عما اذا كان هذا التقصير بسبب جهل وتقاعص الجهات الرسمية بالاجراءات الواجب اتباعها عند حدوث مثل هذه الكوارث أو لأن هذه الاماكن قد تعرضت للضرر هي ايضا جراء السيول؟
بالإضافة الى مدينة سبها، تعرضت بعض المناطق المهمشة والمنسية مثل بلدية إدري الى سيول جارفة أدت الى جرف الطريق الرابط بين منطقة المنصورة والمناطق الشرقية من طريق خط وادي الشاطي، وقد سجلت المنطقة وفاة احد الاشخاص غرقا جراء السيول مع تضرر بعض المنازل، حيث لم تتمكن جهه الانقاذ من الوصول إليهم إلا في اليوم الثاني.
اما في مناطق الجنوب الشرقي فإن قوة السيول تتراوح بين القوية والمتوسطة في مناطق الشرقية تراغن وزويلة وتمسا، حيث أكد عضو المجلس المحلي للشباب زويلة عن جرف السيول للطريق الرابط بين زويلة ومنطقة تمسا، مما ادى الى قطع الاتصال وعدم الوصول الى المواطنين لا بالعربات العادية او العسكرية، واكد عدم وجود أي وفيات او دمار للممتلكات في ما عدا بعض المزارع. أما بلديتي اوباري وغات فقد جرفت السيول الطريق الرابط بين مدينة أوباري ومنطقة العوينات كما هو الحال في مناطق الجنوب الشرقي التي تضررت من السيول.
هذه الحادثة ليست الاولى فمناطق غات تتعرض للعام الثالث على التوالي لأضرار جراء السيول، والغريب في الامر أن المسؤولين في الدولة سواء في المنطقة الشرقية او المنطقة الغربية لا يحركون ساكناً ويتركون المواطن يتعامل مع الكارثة دون أي تخطيط أو أي اجراء احترازي.
اظهر سقوط هذه الامطار في الايام الماضية هشاشة العمل الذي يقوم به المسؤولين، وعجزهم عن توفير أدني مستوى من الخدمات مثل المحافظة على الارواح والاملاك وغياب التخطيط وفشل المسؤولين عن الإدارة.
تتزامن هذه الكوارث مع ذكرى كارثة درنة التي قضى فيها الآلاف نحبهم الامر الذي لم يجعل المسؤولين يهتمون بوضع أي اجراء لتفادي كوارث مماثلة – مع اختلاف الظروف والاسباب بين كارثة درنة وسيول المنطقة الجنوبية- والحفاظ على حياة المواطنين.
المواطن الليبي البسيط أحلامه وأمانيه بسيطة تتمثل في بعض الخدمات الاساسية التي تضمن له الحد الادنى من الحياة الكريمة. ولكن للأسف لا يستطيع هذا المواطن أن يجد الدعم الطبي والاسعاف السريع، ولا الى المأوى الآمن ولا الى أبسط الخدمات التي على الدولة توفيرها له عند حدوث مثل هذه الكوارث. هذا الأمر يجب ان يكون له وقفة جادة حيث أن المواطن بلغ من القناعة أنه لا توجد دولة في ليبيا وعليه العودة للحياة البدائية التي يغنّي فيها كل واحد على ليلاه.